الكاتب: د. فراس الصفدي - آخر تعديل: 2019-12-08
أنا الدكتور فراس الصفدي أرحب بكم في موقعي الإلكتروني ويسرني أن أحدثكم في هذه المقالة عن آلام الجروح التي يمكن أن تحدث بعد العمليات الجراحية، سواءً في الفترة الحادة بعد العملية أو في الحالات المزمنة على المدى الطويل.
بعد أي عملية جراحية سيشعر الإنسان ببعض الألم في منطقة العملية. يعتبر هذا الأمر طبيعياً ومتوقعاً في معظم الأحيان، ويتحسن سريعاً خلال الأيام الأولى بعد العملية. وقد يستمر المريض بالشعور ببعض الألم أو الوخز في منطقة العملية عند الجهد، ولعدة أشهر بعد العملية. ولكن آلام الجروح قد تنذر أحياناً بوجود مشكلة معينة بعد العملية، حيث تستوجب المتابعة الطبية حين تكون الآلام شديدة أو تترافق مع أعراض عامة أخرى في الجسم.
إذا استمر الألم المزعج لمدة تتجاوز ستة أشهر بعد العملية على الرغم من عدم وجود أي مضاعفات جراحية فهو يدعى عندها بالألم المزمن بعد العمليات الجراحية. تنتج الكثير من هذه الحالات عن مشكلة في الأعصاب التي تسير في منطقة الجرح، أو عن تليف الأنسجة الداخلية، وخصوصاً حين يتم زرع أجسام أجنبية غريبة مثل الشبكات. على الرغم من ذلك ففي الكثير من الحالات لا يمكن العثور على أي سبب واضح لهذا الألم.
حين يشكو المريض من الألم المزمن بعد العملية فيجب إجراء فحص طبي دقيق للتأكد من عدم وجود مضاعفات متأخرة ولتحديد طبيعة الألم ومكانه. بعد ذلك يتم اقتراح المعالجة اللازمة من بين مجموعة واسعة من مسكنات الألم المتوفرة. تحتاج الكثير من هذه الحالات إلى ما يدعى بالمسكنات العصبية، وهي أدوية قوية مسكنة للألم من خلال تأثيرها المباشر على الأعصاب. كما تفيد المعالجات البديلة مثل العلاج الفيزيائي والمعالجات السلوكية. وفي حالات نادرة يستوجب الألم المزمن إعادة استكشاف الجرح.
يمكنك العثور أدناه على إجابات مفصلة على معظم الأسئلة التي قد تخطر ببالك حول الآلام الحادة والمزمنة بعد العمليات الجراحية.
من الطبيعي أن يشعر المريض بدرجة من الألم في الجرح الخارجي والداخلي بعد العملية، حيث ينتج الألم عن أذية الأنسجة وتنبيه الأعصاب التي تسير في الجلد والأنسجة الداخلية. ولكن هذه الآلام تكون عادة خفيفة ومحتملة وقابلة للمعالجة.
وينبغي على المريض ألا يتحمل الآلام المبرحة بعد العملية، وإنما أن يخبر الطاقم الطبي بشكل واضح بأنه يشعر بالألم وأن يطلب المعالجة اللازمة.
أما بعد الخروج من المستشفى فيجب على المريض الالتزام بالعلاج بمسكنات الألم بشكل منتظم. وقد تحدثت عن هذه الأمور بالتفصيل في مقالة المعالجة بمسكنات الألم بعد العمليات الجراحية.
تكون الآلام التي تحدث بعد العمليات الجراحية غير طبيعية حين تنطبق عليها واحدة أو أكثر من الصفات المذكورة أدناه. وفي هذه الحالة يجب إجراء الفحص الطبي الدقيق لتحديد سبب المشكلة ومعالجتها:
نعم. تبقى آلام الجروح عادة لفترة تطول أو تقصر بعد العملية الجراحية، حيث تختلف بشكل كبير حسب نوع العملية وحجمها. وإن الصفة المميزة لآلام الجروح الطبيعية هي أنها تتحسن بشكل تدريجي مع الوقت.
فحين يقول المريض بأن الألم الذي يعاني منه الآن هو خفيف مقارنة بما كان عليه قبل أسبوعين مثلاً فهذا يعني أن الأعراض تتحسن تدريجياً مع الوقت وهذا الأمر طبيعي. أما حين لا يكون هناك تحسن واضح في الألم مع مرور الوقت فقد تكون هناك مشكلة معينة تحتاج إلى التشخيص الطبي.
نعم. تعتبر آلام الجروح بعد العمليات شائعة عند الحركة والمشي وبذل الجهد، وذلك لأنها تترافق مع تقلص العضلات وتحرك أعضاء الجسم في منطقة العملية. وتتميز هذه الآلام الطبيعية بأنها تتحسن مع الوقت، ولكن عادة على مدى فترة طويلة، وذلك حسب نوع العملية الجراحية.
على سبيل المثال تترافق عملية الفتق الإربي مع الألم والشد في منطقة العملية، والذي يستمر لأسبوع أو أسبوعين. وبعد ذلك تتحسن الأعراض ويحدث الألم والانزعاج فقط عند المشي والوقوف.
قد تبقى هذه الأعراض لفترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وتتحسن تدريجياً. وبعد ذلك لا يحدث الألم إلا عند بذل الجهد مثل الركض أو حمل الأشياء. وقد تبقى مثل هذه الآلام لمدة سنة أو أكثر بعد العملية.
تستخدم تسمية الألم المزمن بعد العمليات الجراحية لوصف الألم المستمر والمزعج في منطقة الجرح وما حولها على الرغم من حدوث الشفاء الكامل ومرور ستة أشهر بعد العملية الجراحية، وبدون وجود أي تفسير طبي واضح للألم.
ويعني ذلك أن المريض قد خضع لإجراء العملية الجراحية وشفي بشكل كامل بدون حدوث مشاكل أو مضاعفات معينة، ومرت ستة أشهر بعد العملية ولا يزال المريض يعاني من آلام شديدة ومزعجة في منطقة الجرح.
بناءً على التعريف المذكور في السؤال السابق فإن الحالات التالية لا تصنف تحت عنوان الألم المزمن بعد الجراحة:
نعم هذا طبيعي. تعتبر الأعراض الحسية الخفيفة في مكان العمليات الجراحية طبيعية، وهي تشمل مثلاً الشعور بالآلام الخفيفة أو الوخزات أو الحرقان أو الخدر أو اضطراب الإحساس الموضعي، وخصوصاً عند التعب أو بعد المجهود العضلي.
مثل هذه الأعراض تكون ناتجة عن اضطراب عمل الأعصاب الصغيرة في منطقة العملية، وهي تتحسن عادة بشكل بطيء بعد العملية حيث تحتاج إلى سنة واحدة وربما أكثر. ولا حاجة لإعطاء أي علاج حيث يحدث التحسن لوحده عادة.
لا. من غير الطبيعي على الإطلاق أن تستمر الآلام الشديدة لعدة أشهر بعد العملية. قد تكون الآلام شديدة أو مزعجة متوقعة خلال الأسبوع الأول وحتى نهاية الشهر الأول بعد العملية، ولكن بعد ذلك ينبغي أن يحدث التحسن التدريجي وأن يلاحظ المريض تحسناً في شدة الألم خلال أيام أو أسابيع.
هناك عدة أسباب يمكن أن تؤدي إلى حدوث الألم المزمن بعد العمليات الجراحية:
نعم. قد يكون الألم المزمن ناتجاً عن مشكلة معينة مرتبطة بالعملية نفسها. على سبيل المثال قد يخضع المريض لعملية فتق إربي ويعاني بعد ذلك من آلام مزمنة لسنتين في منطقة العملية، قبل أن يكتشف بأن سبب الآلام في الواقع هو عودة الفتق مرة أخرى بعد العملية.
كمثال آخر يشكو بعض المرضى من آلام مزمنة لعدة أشهر في الجروح، ولدى إجراء الفحص الطبي يتبين بأن هناك التهاب داخلي مع تجمع محدود للسوائل ضمن الأنسجة مسؤول عن هذه الآلام.
ولذلك قبل أن نقول بأن المريض يعاني من ألم مزمن في الجرح يجب إجراء الفحص الطبي اللازم للتأكد من عدم وجود مشكلة معينة مسؤولة عن هذه الآلام.
تختلف نسبة حدوث هذه المشكلة بشكل كبير جداً حسب الكثير من العوامل، والعامل الأهم في ذلك هو نوع العملية الجراحية التي خضع لها المريض. ففي العمليات الصغيرة تكون هذه النسبة قليلة جداً، وتصل إلى نصف المرضى أو أكثر في العمليات الكبيرة مثل عمليات تبديل المفاصل وجراحة القلب والرئة.
غالباً لا. في بعض العمليات الجراحية تكون هناك أعصاب كبيرة معينة تعبر في منطقة العملية، حيث يقوم الجراح بالانتباه إليها وحمايتها. ولكن الآلام المزمنة التي تحدث عادة بعد العمليات تنتج عن تخريش الأعصاب الصغيرة التي تسير في الأنسجة الجلدية.
وهذه الأعصاب الرفيعة لا ترى عادة خلال العملية ولا يمكن للجراح أن يميزها. وبالتالي مهما بذل الجراح جهده في إجراء العملية وكانت العملية الجراحية متقنة، إلا أن الآلام المزمنة بعد العمليات يمكن أن تحدث أحياناً.
الخطوة الأولى أمام أي حالة ألم مزمن بعد العملية هي إجراء الفحص الطبي. يفضل إجراء الفحص لدى الطبيب الذي قام بإجراء العملية، والذي يعرف تفاصيل حالة المريض وما الذي تم إجراؤه في العملية الأولى.
يقوم الطبيب بفحص منطقة العملية ويسأل المريض عن طبيعة الألم ومكانه بالضبط، ويحاول أن يحدد علاقته بالأعصاب التي تعبر في منطقة العملية. والهدف الأساسي من الفحص هو التأكد من عدم وجود سبب موضعي معين يؤدي إلى الألم.
هناك خياران لمعالجة الألم المزمن بعد العمليات الجراحية:
يتم عادة البدء باستخدام مسكنات الألم الشائعة العادية كما ذكر في مقالة المعالجة بمسكنات الألم بعد العمليات الجراحية. ويتم تحديد نوع الأدوية المستخدمة وجرعاتها من قبل الطبيب.
ويحتاج العلاج عادة لمتابعة الطبيب بشكل منتظم لإجراء تعديلات في العلاج المحدد من فترة لأخرى. في حال عدم الاستجابة لهذه الأدوية يتم اللجوء إلى المسكنات العصبية.
المسكنات العصبية هي أدوية تكبح عمل الأعصاب وتؤدي إلى تخفيف الآلام المزمنة الناتجة عن انضغاط الأعصاب أو اضطراب عملها في منطقة العملية.
وهناك عدة أنواع من هذه المسكنات مثل Pregabalin أو Carbamazepine أو Citalopram. وهذه المسكنات لها عدة استخدامات في أمراض عصبية أخرى مثل الصرع أو الاكتئاب. وتستخدم أيضاً في تسكين الآلام العصبية.
ويعتبر استخدام هذه الأدوية حساساً ويحتاج ضبط جرعتها وتعديلها إلى التنسيق المباشر مع الطبيب. وكثيراً ما تكون فعالة في السيطرة على الآلام العصبية المزمنة بعد العمليات.
هناك وسائل علاجية موضعية مختلفة يمكن أن تفيد في معالجة الألم المزمن. يتم تطبيق هذه المعالجات عادة من قبل الأطباء الاختصاصيين بمعالجة الألم، وهو من التخصصات القليلة التي تدخل تحت مجال التخدير وتسكين الألم.
ومن هذه الوسائل نذكر التمارين والمعالجة الفيزيائية، والحقن المتكرر للمواد المخدرة الموضعية في مكان الألم، وتقنيات الوخز بالإبر والتحريض الكهربائي للأعصاب، والمعالجات السلوكية والنفسية.
ترتكز معالجة الألم المزمن بعد العمليات الجراحية على الإجراءات المُحافظة، وينبغي أن لا يؤخذ الاستكشاف الجراحي بعين الاعتبار إلا في حالات خاصة جداً.
يتم اللجوء إلى الاستكشاف الجراحي حين تظهر خصائص الألم والفحص الدقيق لمكان الألم بأن هذا الألم يحدث في منطقة يغذيها عصب معين يمر في منطقة العملية القديمة، أي حين تشير الصفات السريرية للألم إلى أن هذا الألم ناتج على الأغلب عن مشكلة في أحد الأعصاب في منطقة العملية، وذلك حين لا يستجيب الألم على الإجراءات المذكورة أعلاه.
في هذه الحالة قد يكون من المبرر استكشاف منطقة العملية جراحياً مرة أخرى من خلال فتح الجرح واستئصال الأنسجة المتندبة وربط الأعصاب التي قد تكون مسؤولة عن الألم.
المشكلة هي أن بعض حالات الألم المزمن قد لا تتحسن حتى بعد الاستكشاف الجراحي، والعملية الجراحية لا تضمن حدوث الشفاء في هذه الحالات. وإن استئصال الأنسجة المتندبة وربط الأعصاب في هذه الحالة قد لا يضمن تحسن الألم بعد العملية.
ولذلك فإن هذه العمليات يجب ألا تجرى إلا في حالات خاصة جداً وبعد تجربة جميع الوسائل العلاجية الأخرى المتوفرة. ويجب على المريض أن يعرف بأن النتائج لن تكون مضمونة، فربما يزول الألم بشكل كامل أو يتحسن جزئياً، وربما يبقى كما كان عليه قبل العملية.